قصة حزب العمال الكردستاني "التركي" في سنجار

قصة حزب العمال الكردستاني "التركي" في سنجار

  • قصة حزب العمال الكردستاني "التركي" في سنجار

اخرى قبل 3 سنة

قصة حزب العمال الكردستاني "التركي" في سنجار

عام 2013، وقَّعت الحكومة التركية مع منظمة حزب العمال الكردستاني التركية (PKK)، المصنَّفة حسب أنقرة على أنها منظمة إرهابية، "اتفاقية لوقف إطلاق النار بصورة مؤقتة أعقبتها مفاوضات سياسية انهارت بعد أشهر قليلة بين الجانبين. قبل تلك المفاوضات، كان أحد أهم شروط الحكومة التركية في هذه الاتفاقية هو إخراج كافة مقاتلي الحزب المسلحين من الأراضي التركية وترحيلهم إلى جبال قنديل في أقصى الشمال العراقي، وفعلًا تم ذلك دون أية ردة فعل عراقية تُذكَر في ظل حكومة المالكي الثانية التي انتهت في خريف عام 2014، وعلى ما يبدو فقد كان الأمر في حينه مرتبطًا برغبات إيرانية لإتمام الأمر، لتوافقه مع أجندات إيرانية خاصة بتوظيف الحزب في أعمال عديدة داخل سنجار أهمها تشكيل كيانات انضوت تحت لواء الحشد الشعبي وكيانات أخرى مارست الضغوطات على الحكومة العراقية(8).

عام 2014، بدأت بعض المؤشرات تدل على أن عناصر (PKK) بدؤوا بالانتشار في مناطق عديدة من العراق من ضمنها مناطق في كركوك والسليمانية وجبل سنجار التابع لقضاء سنجار في محافظة نينوى. ولأن ظروف نشأة هذا الحزب وقدراته القتالية ارتبطت بالبيئة الجبلية الصعبة، فقد اختار عناصره التموضع في عمق جبل سنجار الذي يبلغ طوله أكثر من 71 كم لأنه يوفر له الظروف الجغرافية والأمنية النموذجية فضلًا عن العسكرية من أجل التدريب والتعبئة والتخفي وحتى القتال كون عناصر الحزب هم من بين أشد المقاتلين في العالم بمثل هذه البيئة الوعرة(9).

ويقع جبل سنجار على الحدود مع سوريا وتصل امتداداته إلى مناطق الوجود الكردي هناك أو ما بات يسمى (روش اڤا) أو "كردستان سوريا"، وقد استُخدم هذا التواصل الجغرافي من أجل التهريب والتنقل المرن.

ومنذ عام 2104، وظَّف عناصر (PKK) ظهور (داعش) وحالة (انعدام الحكومة وغياب الدولة) في العراق واندفعوا تجاه عمق جبل سنجار، لتثبيت ملاذات جديدة، وهناك عملوا على مساعدة الإيزيديين الذين نزحوا من القضاء إلى الجبل، وحمايتهم من هجوم داعش، مما أكسبهم تعاطفًا كبيرًا وعمَّق العلاقة بين الإيزيديين وعناصر الحزب. تلا ذلك مشاركة عناصر الحزب عام 2015 في عمليات تحرير سنجار من قبضة داعش؛ الأمر الذي أدى إلى تغلغل الحزب في إدارة سنجار المدنية ورسم ملامح توازناتها الأمنية بالاتفاق مع قوات البيشمركة حتى عام 2017(10)، حينما اضطرت هذه الأخيرة إلى مغادرة سنجار.

وهكذا، وبدلًا من أن تضعف فرص (PKK) في البقاء بسنجار بعد انسحاب البيشمركة، تضاعفت قدرات هذا الحزب، وزاد نفوذه، حيث انتقل تحالفه ليكون مع قوات الحشد الشعبي والقوات العراقية الاتحادية برعاية إيرانية لترسيخ التعاون الثلاثي المشترك وسد الفراغ الأمني الذي تركته قوات البيشمركة بعد انسحابها.

يُذكر أن عناصر الحزب وبعد مفاوضات بينه وبين الحكومة المركزية في بغداد والمجلس المحلي في سنجار، قرر الانسحاب، نهاية شهر مارس/آذار عام 2018، من مدن القضاء والعودة للتموضع في جبل سنجار، بيد أن تأثير الحزب لا يزال قويًّا داخل سنجار سواء تأثيره عبر حلفائه المحليين أو تأثيره المباشر حول القرارات الإدارية والأمنية في القضاء(11).

حشود وفصائل إيزيدية متناثرة

بالإضافة لكل الفصائل والقوات العسكرية والأمنية المسلحة "الرسمية وغير الرسمية" الموجودة في سنجار، تعيش الفصائل الإيزيدية هي الأخرى أزمة ولاءات وانتماءات فيما بينها، فبعض هذه الفصائل مرتبط بالحشد الشعبي وبعضهم مرتبط بحزب العمال وبعضهم الآخر بقوات البيشمركة وبعضهم غير تابع لأية جهة، وعلى هذا الأساس يمكن استعراض خارطة الفصائل الإيزيدية على النحو الآتي:

•           قوات حماية إيزيدخان: وهو أكبر فصيل إيزيدي مسلح. تم إنشاؤه عام 2014، وهو موجود في وسط وشمال قضاء سنجار بقيادة حيدر ششو. يبلغ عدد هذا الفصيل ما يقارب 7 آلاف عنصر ويحتوي على عدد كبير من النساء المقاتلات، يرتبط هذا الفصيل بشكل مباشر بقوات البيشمركة الكردية بعد أن كان يرتبط سابقًا بقوات الحشد الشعبي من حيث التسليح والتدريب. ويسعى هذا الفصيل حاليًّا للدخول والانضواء في الجيش العراقي.

•           الجبهة القومية للإيزيديين: يتموضع هذا الفصيل في منطقة جنوب سنجار وهو قوة إيزيدية موحدة بقيادة نايف جاسو، مختار قرية كوجو، وعدده يقترب من 4500 عنصر، والجبهة ضمن هيئة الحشد الشعبي العراقي من حيث التمويل والتدريب والدعم اللوجستي.

•           اليبشة أو وحدات مقاومة سنجار أو الفتح المبين: تتمركز هذه القوة في مجمع خانصور وبعض قرى الجنوب والشمال وعددها أكثر من 7 آلاف عنصر رجالًا ونساء وهم مرتبطون بالحشد الشعبي كتنظيمات وقريبين جدًّا من حزب العمال الكردستاني ولديهم عدة قيادات بارزة، أهمها: زرادشت شنكال وحسن سعيد(12).

•           فوج لالش الإيزيدي أو "لواء الحسين" بقيادة الخال علي، وهو فصيل تابع لكتائب الإمام علي في الحشد الشعبي وعددهم يفوق 3 آلاف عنصر أو أكثر بقليل وهم موجودون في مركز سنجار وبعض قرى جنوب القضاء.

•           فضلًا عن مجموعة أخرى من الفصائل المسلحة الإيزيدية المنضوية تحت ما يُعرف بتحالف سنجار: وحدات نساء إيزيدخان ووحدات حماية الشعب ووحدات حماية المرأة، هذا التحالف يضم كذلك اليبشة وتقوده قوات حزب العمال الكردستاني.

الضياع التركي في العراق: سنجار والتلويح بالخيار العسكري

تتمحور المخاوف التركية من قضية سنجار حول جملة من النقاط أهمها ما يخص حزب العمال الكردستاني وما حصل عليه من قبول شعبي "إيزيدي" كبير بعد دعم الحزب للقضية الإيزيدية هناك والمساهمة في الدفاع عن الإيزيديين، عام 2014، من ثم المساهمة في تحرير سنجار، عام 2015. لا، بل إن الحزب استطاع إنشاء مجاميع وفصائل مسلحة تابعة له داخل سنجار، تهيمن على مفاصل القرار الأمني والمدني كوحدات مقاومة سنجار أو الفتح المبين "اليبشة" التي تُتَّهم من قِبل أنقرة بأنها أجرت عمليات تطهير عرقي حيال تركمان سنجار وتهجيرهم منها، فضلًا عن انتماء مئات الإيزيديين العراقيين لحزب (PKK) وتلقيهم تدريبات عسكرية خاصة، بالإضافة لانتماء مئات الإيزيديين للحشد الشعبي كذلك(13).

ومنذ عام 2014، يكاد لا يخلو أي تصريح رسمي تركي تقريبًا حيال سنجار من تصعيد ووعيد إما باجتياح بري لإيقاف نشاطات حزب العمال هناك أو إجراء عمليات جوية خاطفة يمكن أن تقوم بها القوات التركية تجاه الحزب الذي بدأت تهديداته تتخذ أشكالًا عديدة بعد زيادة تمكين عناصره في العراق على إثر إدارة عناصر الحزب في سنجار لجملة من النشاطات غير المشروعة كالتهريب وتجارة الأسلحة والبشر وغيرها من الفعاليات ذات المردود المالي مع الجانب السوري.

على أساس هذا السياق، ترجمت الحكومة التركية تحركاتها بعد عام 2014 في العراق على شكل تصعيد منخفض الحدة كانت أنقرة قد تبنَّته في تسعينات القرن السابق أثناء مواجهتها لعناصر الحزب في جنوب شرق تركيا، بيد أن أنقرة هذه المرة في مهمة خارجية للمواجهة والمشاغلة والإضعاف لتحجيم دور العمال الكردستاني خارج الأراضي التركية؛ إذ إن جُلَّ اهتمام الوجود التركي في مناطق متفرقة من دهوك وأربيل ونينوى يتمحور حول فكرة الردع الخارجي للحزب والتقليل من إمكانياته وموارده الاقتصادية والعسكرية من أجل خفض تأثير الحزب وعملياته داخل تركيا(14).

وقد مارست تركيا جملة من الضغوطات على حكومة إقليم كردستان العراق لتحجيم قدرات الحزب والتضييق على عناصره، وهذا ما يحدث منذ عام 2017 حتى الآن من خلال غلق العديد من المقار وعدم السماح رسميًّا بإقامة عناصر الحزب المقاتلين في المدن الرئيسة للإقليم. لا، بل إن أنقرة امتد تأثيرها حتى السليمانية التي يحكم الجزء الأكبر منها حزب الاتحاد الوطني الكردستاني "القريب من حزب العمال" فكريًّا؛ إذ استطاعت أنقرة أن ترفع الضغط على عناصر (PKK) هناك وتحجِّم أدوارهم في محيط السليمانية من خلال إعادة تحسين علاقتها مع حزب الاتحاد الوطني الكردستاني(15).

لكن هذا التضييق على عناصر (PKK) لم يصل إلى حدِّ القضاء على وجودهم في شمال العراق؛ إذ ما زالت عناصره تعمل في جبل سنجار بشكل خاص، كما أن الميليشيات الإيزيدية المرتبطة بها أو القريبة منها ما زالت توفر لها غطاء محليًّا ودعمًا لوجستيًّا يجعل من الحزب عنصر تهديد جوهري ليس لتركيا فقط، بل للعراق أيضًا، وقد تبدَّى ذلك بشكل خاص في أواسط مارس/آذار الماضي (2019) في المواجهات بين عناصر (PKK) وداعميه من الميليشيات الإيزيدية مع قوات الفرقة 15 من الجيش العراقي في سنجار مما تسبب بسقوط قتلى وجرحى من الجانبين. وقد توعدت بغداد بالرد وطرد الحزب بعد تلك المواجهات، لكن الحادث انقضى وجرى تجاهله بطريقة لافتة، فبقي الحزب في جبل سنجار، وظل نفوذه في المدينة.

إيران دائمًا على الخط في العراق

لا يمكن بسهولة رؤية البصمات الإيرانية داخل سنجار بسبب تشوه الخارطة الديمغرافية فضلًا عن الأمنية والعسكرية والسياسية، بيد أن النظرة الدقيقة الفاحصة للحالة السنجارية تقودنا بالضرورة لملاحظة أن الجانب الإيراني يلعب بأوراق ضغط عديدة، لضمان استمرار استخدامه سنجار للربط مع سوريا سواء عبر الحشد الشعبي الولائي أو حزب العمال أو مشتقاته الإيزيدية. كل ذلك يبدو واضحًا عبر تسهيل عمليات المرور من وإلى الأراضي السورية فالعراقية "ورعاية التهريب بكافة أشكاله" هناك بغضِّ النظر عن طبيعة هذه الأطراف، حيث إن الهدف الاستراتيجي الإيراني في سنجار هو مزاحمة تركيا بالدرجة الأساس والاقتراب أكثر من عمق الموصل وحلب في سوريا فضلًا عن توظيف (PKK) كورقة ضغط تجاه الإقليم عند الحاجة بالاتساق مع الهدف الاستراتيجي الأعمق وهو استمرار التدفق الإيراني الأمني والاقتصادي تجاه الأراضي السورية بانسيابية أعلى من خلال سنجار وصولًا إلى مقتربات البحر المتوسط ودمشق ومن ثم بيروت وحزب الله.

هذا ما يمكن ملاحظته من خلال وجود خيوط علاقة إيرانية بارزة مع حزب العمال الكردستاني (الطرف الأكثر نفوذًا على كافة المستويات في سنجار بالرغم من خروج الحزب خارج القضاء)؛ إذ تتقاطع أهدافه فيما يخص شعار الدولة الكردية الذي يرفعه عناصر الحزب مع مواقف الجانب الإيراني الرافضة لهذه الفكرة.

بيد أن كل ذلك لم يمنع من أن تكون إيران فاعلًا في سنجار عبر دعم جهود الحزب ماديًّا وعسكريًّا ولوجستيًّا من أجل خلق حليف لها هناك. لا، بل تعدى الأمر إلى تطوير علاقة إيجابية بين عناصر حزب العمال الكردستاني وبعض الجهات الولائية داخل الحشد الشعبي؛ إذ تشير بعض التقارير إلى أن عناصر من حزب العمال أصبحوا في فترة من الفترات جزءًا من الحشد الشعبي هناك، وحصلوا على تسليح واستحقاقات مالية تحت هذا الغطاء من الحكومة العراقية برعاية وتوجيه إيراني. لا، بل إن الحزب دفع بعض الفصائل الإيزيدية القريبة منه للانضمام للحشد الشعبي كما فعل فصيل وحدات مقاومة سنجار "اليبشة"؛ حيث أصبح اسم هذا الفصيل داخل الحشد الشعبي قوات "الفتح المبين"، وهو بالأصل قوة إيزيدية ساعد حزب العمال على تكوينها وأصبحت داخل الحشد الشعبي قريبة من الحزب بشكل كبير، وتموَّل هذه القوة حاليًّا من قيادة الحشد الشعبي ويتلقى عناصرها رواتبهم من بغداد، وهي نفس القوة التي هاجمت الجيش العراقي في سنجار خلال فترات متقطعة مطلع العام 2019، وشاركت في المواجهات ضد القوات العراقية في مارس/آذار الماضي (2019).

تنازع إرادات أدى إلى تنازع إدارات

منذ أكثر من عام ونصف يدير شخصان قضاء سنجار بمنصب قائم مقام ، أحدهما فهد حامد عمر ، ويمارس عمله في مركز القضاء مدعوم بشكل مباشر من حزب العمال الكردستاني و(اليبشة) فضلا عن الحشد الشعبي مقابل إدارة أخرى تعمل من خارج سنجار بقيادة القائم مقام سنجار محما خليل الممنوع من العودة إلى القضاء وهو عضو في الحزب الديمقراطي الكردستاني (16). تأتي الادارة الجديدة للقضاء في ظل اتفاقات حدثت بين الحشد الشعبي من جانب وحزب العمال الكردستاني من جانب آخر نهاية عام 2018 فضلاً عن دعم بعض الفصائل الإيزيدية المسلحة للإدارة الجديدة مما تسبب حدوث نزاع إداري(17).

مسارات وخارطة الطريق المستقبلية في سنجار

في ظل فوضى الإدارات الأمنية والمدنية لقضاء سنجار، لا يظهر كثير من الملامح الإيجابية للصورة المستقبلية في سنجار؛ إذ إن الرهان على إيجاد سبل استقرار طويل الأمد في هذا القضاء يكاد يكون معضلة كبيرة في ظل معطيات الصراع الداخلي والإقليمي الحالي. كل ذلك بسبب تضارب وجهات نظر من لديه زمام المبادرة المسلحة على أرض سنجار والذي يقود بدوره لتبعات سياسية تفرضها هذه الفصائل على الأرض. حيث لا تخبرنا مرحلة ما بعد داعش في سنجار بأية دلالات استقرارية يمكن أن تحدث في هذا القضاء بسبب تشوه الخارطة الجيوأمنية هناك؛ فالحلفاء أصبحوا أعداء وأصدقاء أكثر من مرة خلال آخر خمسة أعوام مضت وهذا ما يشتِّت أية فرص مستقبلية يمكن أن تحاول تثبيت أركان الاستقرار لمدة طويلة. بالعموم، يمكن الحديث عن خيارات الاستقرار أو استمرار الصراع بصور متعددة وفقًا للمسارين الآتيين:

أولًا: فرضيات مسار التسوية والاستقرار: والذي يجب أن يبدأ بالحلول السياسية لينتقل إلى الحلول الأمنية والعسكرية، بيد أن ذلك الاستقرار المنشود لا يمكن أن يحدث دون إيجاد قناعة ذاتية للأطراف الداخلية بإبعاد الأيادي الإقليمية التي تحرك الأجواء في سنجار وهذا ما يمثِّل أكبر العقبات أمام هذا النوع من الاستقرار كون أغلب الأطراف الموجودة على أرض سنجار ترتبط بمصالح ودوافع إقليمية متعددة فضلًا عن الأيادي الدولية التي تحاول إيجاد توازن داخل القضاء. فعلى سبيل المثال، وبعد عام 2014، يوجد تعاطف كبير بين سكان سنجار الإيزيديين مع قوات حزب العمال الكردستاني، بعدما شارك في حمايتهم في جبل سنجار من تنظيم (داعش)، وكذلك دوره في تحرير سنجار، عام 2015، مما يدلِّل على صعوبة استبعاد الحزب بسهولة من الخارطة السنجارية الأمنية وحتى المجتمعية.

كذلك، فإن الاستقرار في سنجار بكافة صوره يجب أن يعتمد بشكل رئيس على إعادة جميع مكونات القضاء إلى قراهم وقصباتهم وهذا ما لم يتحقق منذ تحرير سنجار عام 2015 حتى الآن، حيث إن أغلب السكان المسلمين الذين نزحوا من القضاء لم يستطيعوا العودة حتى الآن بسبب تورط عناصر عديدة من عشائرهم بالإبادة ضد الإيزيديين إبَّان احتلال القضاء، عام 2014، من قبل التنظيم، وهم عشائر البومتيوت والعبيد وشمر والجبور. بيد أنه من غير المنطقي أن تتم معاقبة الجميع بجريرة مجموعة من المجرمين وهذا ما يباعد بين خطوط الاستقرار داخل القضاء في ظل عجز حكومي كبير عن إيجاد تسويات مجتمعية قادرة على حل هذه الأزمة.

ثانيًا: فرضيات الصراع منخفض الحدة المستمر: هذا المشهد يأخذ ويستند على مقومات الأرض الحقيقية؛ حيث إن منطقة سنجار بالنسبة لأغلب ما هو موجود عليها من فصائل مسلحة (عدا الشرطة المحلية والجيش العراقي نسبيًّا) متورطة في عمليات تهريب من وإلى الأراضي السورية برعاية إقليمية؛ حيث ترتفع حدة الصدام كلما تضاربت المصالح غير أن الطرف الأكثر حفاظًا على مهنيته في سنجار ويحاول دومًا منع هذه الفعاليات هي القوات العراقية الرسمية (الجيش العراقي والشرطة العراقية المحلية). بيد أن الأمر لا يخلو من وجود فاسدين داخل هذه المؤسسات كثيرًا لكن لا يعد التهريب مصدرًا رئيسًا للتمويل كما هي حال باقي الفصائل المسلحة في سنجار والتي تمول نفسها عبر هذه الفعاليات تقريبًا.

بيد أن حصر الأمر بقضية التهريب في سنجار قد يُظهر جانبًا محددًا من جوانب مشكلة عدم الاستقرار، بسبب أن الموضوع أعمق من قضية تهريب تحدث من خلال القضاء من وإلى سوريا، حيث يلعب المتغير الإيراني مثلًا على وتر سنجار كون هذه المنطقة بالنسبة لإيران تمثل مكسبًا جديدًا تحقق بعد عام 2014 عبر ما هو موجود من حلفاء محليين لإيران هناك، وتهدف إيران إلى تحقيق نفاذية وانسيابية أعمق داخل العمق السوري من خلال العراق، وتمثل سنجار بوابة مهمة لذلك وصولًا إلى البحر المتوسط حسب الاستراتيجية الإيرانية. لهذا تحرص إيران على وجود حلفاء في سنجار يحمون مصالحها ويوفرون لها هذه الفرصة، وهذا الأمر بحد ذاته أحد أهم أسباب عدم وجود استقرار يستطيع التماسك لفترات زمنية أطول.

لكن من الخطأ ربط مشكلة عدم الاستقرار في سنجار بالطرف الإيراني، فتركيا موجودة أيضًا على خط الصراع هناك، لكن بحدة أقل تكاد لا تقارن بما تمتلكه إيران من أوراق لعب وعلاقات مع مختلف الفصائل المسلحة في القضاء. لهذا، يرجح أن تستمر حدة الصراع المنخفض في سنجار على المستوى القريب وربما المتوسط كون الحلول العملية للحالة السنجارية ترتبط بتوازنات إقليمية وتحركات دولية أكثر منه بقدرة الحكومة العراقية على حل المشكلة هناك.

كل ذلك يأتي في ظل ضعف كبير للحكومة العراقية والجيش العراقي فضلًا عن الشرطة المحلية في إدارة ملف سنجار مع السيطرة الكاملة من قبل حزب العمال والحشد الشعبي والفصائل الإيزيدية ومجاميع أخرى حليفة مما يؤدي لتعقد الحل بسبب ارتباطات بعض هذه المجاميع بقرارات إقليمية ودولية أكثر من ارتباطهم بقرارات حكومية ومحلية.

خلاصة ختامية

في خضم كل هذا التشوه الجيوأمني فضلًا عن المجتمعي، لا تزال هناك فرص إيجابية يمكن استحداثها أو توظيفها بدلالات التغيير الذي يحدث دومًا في التوازن الإقليمي والدولي وانعكاساته على المنطقة؛ اذ يمكن انتصار فرصة تسوية يمكن أن تحدث بتنسيق أممي رسمي في سنجار بالتعاون مع الحكومة العراقية، وهذه هي البوابة الأسلم لحلحلة القضية السنجارية. أما محاولات الضغط هنا وهناك من قبل العراق من أجل سحب فتيل الصراع في سنجار فلا يبدو أنها ترتقي للجدية بسبب رعونة المتغيرات الإقليمية وارتباطها بمصالح أعمق من قدرة الحكومة العراقية على استيعابها. لهذا، قد يكون الحل بالتعاون مع الأمم المتحدة وحلفاء العراق أكثر مقبولية في القضاء من أجل تثبيت الاستقرار وترسيخ مبادئه العامة في محافظة نينوى بشكل عام وفي قضاء سنجار التابع للمحافظة إداريًّا.

 

التعليقات على خبر: قصة حزب العمال الكردستاني "التركي" في سنجار

حمل التطبيق الأن